عند الكتابة عن فنان بحجم الراحل محمد فوزي تبدو في حيرة من أمرك فهل نتحدث عن مطرب الزمن الجميل وأحد عمالقة الغناء، والذي تربع على عرش السينما الغنائية والاستعراضية طيلة الأربعينيات والخمسينيات؟، أم نتحدث عن الملحن الذي غردت على ألحانه كما لحن للعديد من مطربات ومطربي عصره أمثال محمد عبد المطلب وليلى مراد ونازك وهدى سلطان أخته ونجاح سلام، وغيرهم؟.. أم نتحدث عن الممثل الذي أثرى السينما بالعديد من الأفلام الخالدة؟.
الحقيقة أننا لا يمكن أن نغفل أي جانب من هذه الجوانب التي شكلت شخصية الراحل محمد فوزي، الذي نحتفي اليوم بمرور مائة عام على ميلاده.
من طنطا وتحديدا في قرية كفر أبو جندي التابعة لمركز قطور بمحافظة الغربية ولد الفنان محمد فوزي "محمد فوزي حبس عبد العال الحو"، وهو الابن الحادي والعشرين من أصل خمسة وعشرين ولداً وبنتاً، منهم المطربتين هدى سلطان، وهند علام.
تعلم الموسيقى والغناء منذ أن كان تلميذًا في مدرسة طنطا الابتدائية، وبدأ بالغناء في الموالد والليالي والأفراح، ولم يكمل دراسته بمعهد فؤاد الأول للموسيقي في القاهرة، حيث أغرته بديعة مصابني بالعمل معها، وفي العشرين من عمره، تقدم إلى امتحان الإذاعة كمطرب وملحن أسوة بفريد الأطرش الذي سبقه إلى ذلك بعامين، فرسب كمطرب ونجح كملحن.
وبعد 6 سنوات من العمل مع فرقة بديعة مصابني طلبه يوسف وهبي ليمثل دوراً صغيراً في فيلم "سيف الجلاد" واختار له اسم "محمد فوزي" ثم انطلق بعد ذلك مع المخرج محمد كريم في أول بطولة له في فيلم " أصحاب السعادة" بشرط أن يجري جراحة تجميلية لشفته العليا المفلطحة قليلاً، ونجح الفيلم نجاحًا ساحقًا حتى أصبح نجم شباك.
قدم الفنان محمد فوزي عدة أفلام رائعة من خلال ثنائيته مع الراحلة مديحة يسري، التي شاركها الحياة أيضًا، حيث تزوجا وأنجبا ابنهما الراحل "عمرو"، الذي تعرض لحادث أليم جعلها تعتزل العالم، حتى بعد 10 سنوات - هي عمر زواجهما - عاشا أصدقاء، حتى بعد الانفصال قدما معا، "بنات حواء - قبلة في لبنان- فاطمة وماريكا وراشيل -آه من الرجالة
".
وخلال مشواره السينمائي الذي تجاوز الثلاثين فيلما تقاسم محمد فوزي البطولة أمام نجمات عصره، ومنهم صباح، وشاديه، وفاتن حمامه وغيرهن.
استطاع محمد فوزي من خلال أغنيتين للأطفال أن يكتب الخلود لنفسه بعد الرحيل فقد كانت ولا تزال أغنيته، "ماما زمانها جاية"، الأكثر انتشارا بين الأطفال، خاصة فى فترة الستينات، وتعتبر أول الأغانى المصورة فى التليفزيون المصرى، غناها ولحنها الفنان محمد فوزى عام1965، كما نالت أغنية "ذهب الليل وطلع الفجر" نفس الشهرة.
بدأت الانتكاسات تتوالى على الفنان محمد فوزي تحديدا بعد ثلاث سنوات من تأسيس شركة مصرفون لإنتاج الإسطوانات، وأنتجت شركته أغاني كبار المطربين في ذلك العصر مثل أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وغيرهما، حيث تم تأميم الشركة في 1961م وتعيينه مديرا لها بمرتب 100جنيه مما أصابه باكتئاب حاد دفعه للسفر إلى الخارج، ومنعه المرض من نزول مصر مرة أخرى إلا بعد وفاته.
وقبيل رحيله في 20 أكتوبر 1966م بألمانيا ، كتب فوزي رسالة عن أيامه الأخيرة مع المرض وختمها قائلًا:".. إن الموت علينا حق وإذا لم نمت اليوم سنموت غدا وأحمد الله أننى مؤمن بربى فلا أخاف الموت الذى قد يريحنى من هذه الآلام التى أعانيها، فقد أديت واجبى نحو بلدى و كنت أتمنى أن أؤدى الكثير ولكن إرادة الله فوق كل إرادة البشر والأعمار بيد الله لن يطيلها الطب و لكنى لجأت إلى العلاج حتى لا أكون مقصرا فى حق نفسى و فى حق مستقبل أولادى الذين لا يزالون يطلبون العلم فى القاهرة .. تحياتى إلى كل إنسان أحبنى و رفع يده إلى السماء من أجلى .. تحياتى لكل طفل أسعدته ألحانى .. تحياتى لبلدي .. أخيرا تحياتي لأولادي و أسرتي".